Blog

توكل على الله


ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. إن الله بالغ أمره. إن الله جعل لكل شيء قدرًا.   سورة البقرة ، الآية 3.

أصل التوكل هو الاعتماد. نقول إننا نعتمد على الله سبحانه وتعالى في كل شيء، ونعتمد عليه. وحقيقة التوكل هي أن نعتمد على الله سبحانه وتعالى في أمور دنيانا وديننا،  ونستخدم وسائلنا الحسية أو الملموسة لبلوغ ما نبتغيه.

«لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» [الترمذي]

فالتوكل إذن يتضمن اعتقادًا واعتمادًا وعملًا. فلكي يكتسب العبد ولو قدرًا من التوكل، عليه أن يعلم أن أمور الدنيا والآخرة بيد الله سبحانه وتعالى، فلا يكون شيء  إلا  بإذنه وإذنه.

التوكل نورٌ لقلوبنا، ووسيلةٌ للتقرب إلى الله تعالى، غايةٌ لا يدركها سواه. وجوهر هذه الصفة القلبية مبنيٌّ على ركنين بالغي الأهمية: التوكل على الله، والتوكل عليه.

ويقول في سورة الأنفال مشيراً إلى صفات المؤمنين:

إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون  ﴿2﴾ 

ولدينا أمثلة كثيرة من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، منها بعض الأدعية التي كان يدعو بها. ففي حديث صحيح رواه البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: 

اللهم  لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وإليك حاججت. اللهم إني أعوذ بك بقدرتك، لا إله إلا أنت وحدك، أن تجيرني من الضلل، أنت الحي القيوم، الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون.  

وهذا يُظهر ضرورة التوكل على الله، وتوكيله أمرنا. وكما يتبين من الحديث السابق، فإن التوكل مرتبط، بل وممتزج، بالاستسلام لله والإيمان به.

يتضح ذلك في حديث: « اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت ». ففي نفس واحد، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى التسليم  والإيمان والتوكل. وفي حديث آخر يبين أهمية التوكل وفوائده في الدنيا والآخرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يدخل الجنة قوم ونساء أفئدتهم مثل أفئدة الطير».   مسلم.

يرضى الله تعالى عن عباده الصابرين، ويحب المتوكلين عليه. فابنِ أساسًا قويًا من الثقة، واجعلها رفيقتك في كل أمرٍ تقوم به، فهي صفةٌ تكفيك في أمور الدنيا والآخرة إن شاء الله.

من الأمثلة الجميلة التي لا تفارق  قلبي  ، أمنا أم سلمة رضي الله عنها، حين توفي زوجها أبو سلمة رضي الله عنه، صمدت، تقول خير ما تقول عند المصيبة: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، فنالت كما وعدها الله تعالى: البركات  والرحمة .

‘وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون’.

سورة البقرة  2: 155-157]

وفقًا لمؤلف  كتاب رياض الصالحين الشهير ، فُسِّر هذا الحديث على أن المتوكلين على الله هم من سيدخلون الجنة. وبناءً على هذا التفسير، يبدو أن هناك علاقة مباشرة بين طريقة عيش المتوكلين في هذه الدنيا ومكافآتهم. إنهم المتوكلون الذين لم يكونوا ليقلقوا أبدًا بشأن مؤونتهم وطعامهم ووسائل معيشتهم، وهم كالطيور التي لا تجمع أي طعام للاحتياط بل تخرج كل صباح بحثًا عن الطعام، راجيةً ومؤمنة برزق الله، ثم تعود إلى أوكارها راضية تمامًا.

من توكل لا يترك الموارد المادية، كربط البعير، إن صح التعبير. وكلنا نعرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه للأعرابي الذي ترك بعيره دون ربطه: ” اربط بعيرك وتوكل على الله “.

يعرف أهل التوكل الموازنة بين العمل والتوكل على الله سبحانه وتعالى. قبل أن ننتقل إلى القسم التالي من هذه الورقة، تجدر الإشارة إلى ما قاله أحد علمائنا السابقين المشهورين عن التوكل. يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في  كتابه  “مدارج السالكين”:

«إن حال المتوكل على الله كحال من أعطاه الملك درهمًا فسرقه، فقال له الملك: عندي أضعافه فلا بأس، فإذا أتيتني أعطيتك من خزائني أكثر من ذلك بكثير». فإذا علم صدق الملك، ووثق به، وعلم أن خزائنه مملوءة من ذلك، لم يحزنه ما  فاته . 

يرجى زيارة موقعنا على الانترنت: holyquranlessons.com