احترم والديك
بسم الله الرحمن الرحيم
يأمرنا الإسلام بإكرام الوالدين وطاعتهما واحترام رأيهما والتعامل بلطف مع أفراد عائلتنا بشكل عام.
من أهم مفاهيم الحياة الأسرية في الإسلام مفهوم “صلة الرحم” . وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من الأحكام التي تدعونا إلى حسن معاملة أفراد عائلتنا، حتى لو كانوا غير مؤمنين، وقد جمع العلماء هذه الأحكام في مؤلفات عديدة تُبيّن أهمية العلاقات الأسرية المتينة.
إن الله يصل من يحسن إلى أهله ويقطع من يقطع أهله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله خلق الخلق فلما فرغ قالت الرحم: هذا مكاني أعوذ بك ممن قطعني. قال الله: أما ترضين أن أصل من أحسن إليك وأقطع من قطعك. اتلو إن شئتم: ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾ (47:22) المصدر: صحيح البخاري 5641، حسنه الألباني
وقال الله :
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا
سورة الأنعام 6:151
يأمرنا الله ألا نقول لوالدينا حتى كلمة “أف!”، فهي كلمة إزعاج بسيطة. يجب أن يكون احترامنا لوالدينا لا تشوبه شائبة في كل الظروف قدر استطاعتنا.
قال الله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
سورة الإسراء 17: 23-24
يجب علينا أن نكون جيدين مع والدينا حتى لو كانوا غير مؤمنين ويأمروننا بالمعصية.
قال الله تعالى:
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي.
سورة لقمان 31: 14-15
بمعنى آخر، حتى لو جاهدنا آباؤنا ليجعلونا نعبد الأصنام، فلا ينبغي لنا أن نطيعهم في هذا الأمر، ولكن ينبغي لنا أن نصاحبهم بالمعروف ونطيعهم في المعروف.
وقد جسّد النبي هذا السلوك خير تجسيد بعد أن انقلب عليه بعض أفراد عائلته بسبب دعوته للإسلام. ورغم عداوتهم، حافظ على علاقات طيبة معهم قدر استطاعته.
عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول علانية لا سرا:
إن أقرباء أبي ليسوا أوليائي، إنما أوليائي الله وصالح المؤمنين، ومع ذلك فإنهم يصلون أرحامهم، وأنا أصل أرحامهم.
المصدر: صحيح البخاري 5644، الدرجة: صحيح
إن الحفاظ على الروابط العائلية لا يعني مجرد ردّ الجميل عندما يُحسن أفراد عائلتنا إلينا، بل يعني الحفاظ الحقيقي على الروابط العائلية أن نُحسن التصرف معهم مهما فعلوا بنا.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أفضل البر أن يصل الرجل أحباب أبيه.
المصدر: صحيح مسلم 2552، الدرجة: صحيح
إن دعواتنا لهم بالمغفرة والرحمة من الله تنفعهم وهم في قبورهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى يرفع عباده الصالحين درجات في الجنة، فيقولون: يا رب ما هذا؟ فيقول: هذا باستغفار ولدك لك.
المصدر: مسند أحمد 10232، الصف: حسن
لقد خدمنا كل والد بطريقة خاصة لا يستطيع تقديمها إلا الآباء والأمهات الطبيعيون.
علينا أن ندرك أن آباءنا قد خدمونا كثيرًا لدرجة أننا لن نستطيع أبدًا أن نوفيهم حقهم. لن نتمكن من ردّ الجميل لهم إلا إذا وجدناهم عبيدًا وحررناهم، وهو أمرٌ شبه مستحيل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يستطيع أي طفل أن يعوض والده إلا إذا وجده عبداً، فيشتريه، ويعتقه.
المصدر: صحيح مسلم 2787، الدرجة: صحيح
هذا هو الشرف العظيم الذي يستحقه الأب، ولكن الأم تستحق أكثر من ذلك بسبب التضحيات الكبيرة والألم الذي تحملته أثناء الولادة.
قال الله تعالى:
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إن إلي المصير
سورة لقمان 31:14
وقال الله :
ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا، ينمو حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك، وإني لك من المسلمين.
سورة الأحقاف 46:15
ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمنا أحق بحسن صحبتنا قبل أبينا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:
والدتك.
قال الرجل: ثم من؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم
والدتك.
قال الرجل: ثم من؟ قال النبي:
والدتك.
قال الرجل: ثم من؟ قال النبي:
والدك.
المصدر: صحيح البخاري 5626، الصف: متفق عليه
إن حق الأم علينا عظيم حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: لا تذهب إلى الغزو حتى أرجع إلى والديه وأخدمهما وخاصة أمك، فإن الجنة تحت قدميها.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
هل والديك على قيد الحياة؟
قال نعم، قال النبي
ثم اجتهد في خدمتهم.
المصدر: صحيح البخاري 2842، الصف: متفق عليه
وفي رواية أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم:
ثم ارجع إلى والديك وأحسن إليهما.
المصدر: صحيح مسلم 2549، الدرجة: صحيح
عن معاوية بن جهيمة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أريد الغزو وأستشيرك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
هل لديك أم؟
قال نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إبق معها، فالجنة تحت قدميها.
المصدر: سنن النسائي 3104، الصف: صحيح
لذا، فواجبنا تجاه أمهاتنا ليس اختيارًا ولا استحبابًا، بل هو فرض، وقد نهانا الله عن إهمال أمهاتنا وآبائنا عمومًا.
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله نهاكم عن عقوق أمهاتكم.
المصدر: صحيح البخاري 5630، الدرجة: صحيح
يجب أن يتضح لنا الآن مدى أهمية طاعة الوالدين وحسن معاملتهما. أما عقوق الوالدين فهو من أكبر الكبائر في الإسلام.
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاث: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور.
المصدر: صحيح البخاري 2511، الصف: متفق عليه
إذا كان النبي قد ربط عقوق الوالدين بالشرك والزور، وهما أعظم الذنوب في الإسلام، فإن هذا يخبرنا أن العصيان ليس عملاً محرماً ينبغي أن نتعامل معه باستخفاف.
نسأل الله أن يرحم والدينا ويغفر لهما ويرحمهما ويعيننا على أداء حقهما.