كيف نكون شاكرين؟

قال ابن القيم رحمه الله:
فالشكر قد يكون بالقلب خضوعاً وخشوعاً، وباللسان ثناءً واعترافاً، وبالجوارح طاعةً وانقياداً.
مدارج السالكين (2/246)
تفاصيل ذلك:
١. شكر القلب: والمقصود به أن يستشعر القلب قيمة النعم التي أنعم الله بها على عبده، ويقرّ إقرارًا كاملًا بأن واهب هذه النعم العظيمة هو الله وحده لا شريك له. قال تعالى: (وَمَنْ يُشْكُرْهُمْ فِي الْأَرْضِ لَعَلَّهُمْ يُشْكُرُونَ) [النور: ٢٣].
«وَمَا بِكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» [ القرآن الكريم: 53].
يقول الله تعالى مبيناً حال من أنكر نسبة النعم إلى الله:
«يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم كافرون » [16:83].
قال ابن كثير رحمه الله :
“ويعترفون بأن الله هو الذي يمنحهم ذلك، وهو الذي ينعم عليهم بذلك، ومع ذلك ينكرونه، ويعبدون معه غيره، وينسبون النصر والرزق إلى غيره” تفسير ابن كثير (4/592).
2. وأما شكر اللسان فهو الاعتراف باللسان – بعد اعتقاد القلب – بأن المنعم هو الله، واشتغال اللسان بحمد الله عز وجل.
يقول الله تعالى مبينًا نعمته على عبده محمد صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [ القرآن : 8]. ثم ذكره في مقابل ذلك: {وأما بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحَدِّثْ} [الضحى: 11].
قال ابن كثير رحمه الله:
“وكما كنت فقيراً محتاجاً فأغناك الله، فحدث عن نعمة الله عليك” تفسير ابن كثير (8/427).
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها». رواه مسلم.
الشكر سببٌ لنيل ذلك الشرف العظيم، لأنه يتضمن الاعتراف بواهب النعمة، وإقراره وحده بأنه خالقها ومُوصِلها إلى المنعم عليه، شرفًا ومنة منه ، وأن المنعم عليه فقيرٌ محتاجٌ إليها، لا غنى له عنها. فهذا إقرارٌ بحق الله وفضله، وواجب العبد وحاجته، فجعل الله جزاء ذلك الاعتراف هذا الشرف العظيم.
ولذلك قال بعض السلف : من كتم نعمة فقد أنكرها، ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها.
قال ابن القيم معلقاً على ذلك:
“وهذا لقوله: (إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده)” مدارج السالكين (2/246).
3. شكر الجوارح هو استعمالها في طاعة الله وحفظها من الوقوع في المعاصي والمنكرات التي نهى الله عنها.
يقول الله تعالى:
اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [34:13]
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتورم قدماه، فقالت عائشة: يا رسول الله، أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «يا عائشة، ألا أكون عبدًا شكورًا؟» رواه البخاري ومسلم.
شرح صحيح البخاري.
قال الطبري: الصحيح في ذلك أن شكر العبد هو إثبات أن ذلك من الله دون غيره، وإثبات ذلك هو العمل، ويصدقه العمل. وأما الإثبات الذي ينافيه العمل، فلا يستحق صاحبه أن يسمى شاكرًا أصلًا، وإنما يسمى شكر اللسان. والدليل على ذلك قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [ سبأ : 13]. ومعلوم أنه لم يأمرهم حين قال ذلك بإثبات نعمه ، لأنهم لم ينكروا أن ذلك منة منه عليهم، بل أمرهم بشكر نعمه بطاعته في أعمالهم. وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما تورمت قدماه وهو يصلي من الليل: “أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟”
لكي تشكر ربك على النعم التي أنعم بها عليك، لا بد أن تعترف بقلبك أن واهب هذه النعم وواهبها هو الله تعالى، فتعظمه، وتنسبها إليه، وتعترف بذلك بلسانك، فتشكره بعد الاستيقاظ من النوم على إحياء الحياة، وبعد الأكل والشرب على رزقك بها وأنعم عليك بها، وهكذا في كل نعمة تراها في حياتك.
تشكر بجوارحك بأن تمنعها من رؤية أو سماع أي معصية أو منكر، كالغناء والنميمة، ولا تمشي بأقدامك إلى المحرمات، ولا تستخدم يديك في فعل منكر، كالكتابة المحرمة في علاقة مع امرأة أجنبية (ممن يجوز لك الزواج منها شرعًا)، أو كتابة عقود محرمة، أو صنع أو فعل أي شيء محرم. ويشمل شكر النعم بالجوارح أيضًا استخدامها في طاعة الله، بقراءة القرآن وكتب العلم، وسماع النافع والنافع، ونحو ذلك من سائر الجوارح التي ينبغي لك استخدامها في أنواع الطاعات والعبادات.
واعلم أن شكر النعم نعمة تحتاج إلى شكر، حتى يظل الإنسان متمتعاً بنعم ربه، شاكراً ربه على تلك النعم، وحامداً له أن وفقه ليكون من الشاكرين.