الاستخارة
نواجه يوميًا تقريبًا مهمة الاختيار بين خيارين أو أكثر. وقد علّمنا رسولنا الحبيب (صلى الله عليه وسلم) ما يجب فعله، وبيّن لنا الحل بوضوح. وهذا الحل يُسمى صلاة الاستخارة.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمهم السور من القرآن، قال: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير فريضة ، ثم يقول:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ـ أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ـ أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ ـ قَالَ ـ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ”.
اللهم إني أسألك الهداية من علمك، والقدرة من قدرتك، وأسألك من فضلك العظيم. أنت القادر ولا أستطيع. أنت تعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا العمل خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: إن كان خيرًا لي في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا العمل شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: إن كان شرًا لي في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه. واقدر لي ما فيه خير لي، ورضني به). قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم يذكر الإنسان حاجته.
(رواه البخاري 6841 ، وكذا رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد).
قال ابن حجر رحمه الله معلقاً على هذا الحديث:
الاستخارة كلمة تعني طلب التوفيق من الله عز وجل في الاختيار، أي اختيار الأفضل بين أمرين مع الحاجة إلى اختيار أحدهما.
“وقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها)”
قال ابن أبي جمرة: هي جملةٌ دالّةٌ على شيءٍ مُعيّن، فالواجب والمستحب لا يحتاج إلى استخارةٍ لفعله، والحرام والمكروه لا يحتاج إلى استخارةٍ لتركه، وإنما يقتصر أمر الاستخارة على المباح، أو المستحب عند الترجيح. أقول: إنها تشمل الكبير والصغير، وربما كان من أمرٍ يسيرٍ تمهيدٌ لأمرٍ كبير .
قوله: «فإن هم أحدكم… فليركع ركعتين من غير فريضة». ذكر هذا لبيان أنه لا يقصد صلاة الفجر مثلاً، وإنما يصلي الاستخارة إذا صلى ركعتين من السنة الراتبة بعد الظهر أو قبله مثلاً، أو ركعتين من أي نافلة سواء كانت راتبة أم لا… وينوي الاستخارة مع نيته في تلك الصلاة .
قال ابن أبي جمرة: الحكمة من الصلاة قبل الدعاء أن الاستخارة تجمع خير الدنيا والآخرة، فالعبد يحتاج إلى طرق باب الله، وليس أنجع من الصلاة، لما فيها من التسبيح والثناء عليه، وإظهار الافتقار إليه في كل وقت.
قولُه: “اللهم إني أستخيرك بعلمك” مُفسِّرٌ لقوله: “لأنك أعلم”. وكذلك قولُه: “بقدرتك” غالبًا: “استعنت بك”. وقولُه: “أستقدرك “ يعني: “أسألك القدرة على فعل ما يُطلب مني”، أو يُحتمل أن يكون معناه: “أسألك أن تُقدِّر لي هذا الأمر”. فيكون معناه: “التيسير” .
«أسألك من فضلك العظيم» إشارة إلى أن الله يعطي من فضله العظيم، ولكن لا أحد يستحق نعمته.
«أنت تملك القدرة ولا أملكها، وتعلم لا أعلم» إشارة إلى أن القدرة والعلم لله وحده، وليس للعبد منهما إلا ما قدره الله له.
“اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر…” ظاهر السياق أنه ينبغي له أن يقوله، ولكن لعله يكفي أن يفكر في الأمر وهو يدعو بهذا الدعاء.
«ثم قدر لي» أي: اجعله واقعاً لي، أو قد يكون معناه: سهل لي الأمر.
«ثم اصرفه عني واصرفني عنه» أي: حتى لا يعود قلبي متعلقاً به بعد صرفه.
“أرضني به” أي أرضني به حتى لا أندم على سؤاله ولا أأسف على حصوله لأني لا أعلم كيف يكون، حتى لو رضيت به عند السؤال.
السر في ذلك هو ألا يعلق القلب بالأمر، لأن ذلك يُسبب قلقًا. والرضا بالأمر يعني رضا القلب بقضاء الله وقدره.
فلنرضَ بما يختاره الله لنا، ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع، والتوفيق للعمل به على أحبِّ وجه، اقتداءً بنبيه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.